تم إنشاء هذا الموقع باستخدام منصة ويلت ﻹنشاء المواقع، قم بإنشاء موقع الويب الخاص بك مجانًا اليوم!

ابدأ الآن

4- محمد قرط الجزمي

حكاية محمد .. maqarat@

لا يوجد كاتب يستيقظ صباحاً، يمطُّ ذراعيه ويقول: «أريد أن أصبح كاتباً». الكتابة تراكمات لأحداث سابقة، ووراء كل كاتب قصة عاشها، ربما مع الناس، أو بينه وبين نفسه. محمد قرط الجزمي انطوائيٌ بيتوتيٌّ مذ كان صغيراً، وأغلب الكُتَّاب عاشوا مع أنفسهم بانطوائية، جعلتهم يصادقون الحروف كقراء، ثم تطور الأمر مع الزمن ليكتشفوا أن سحر الكتب نتاج قلم ساحر هو ما خلق تلك المعجزات التي شغفوا بها.. عن نفسي كان يستحيل عليَّ الخروج من المنزل، رغم صغر سني، دون أن أحمل قلماً أحمر اللون في جيبي. عشت في بيئة قروية ملهمة، تحيطني الجبال وأشجار النخيل والبحر، وأطلالُ منازلٍ قديمة لعبت فيها ألعاباً كثيرة، ومع انطوائيتي وكثرة ملازمتي لهذه الطبيعة الخلابة، كانت ألعابي الطفولية خيالية محضة، فكنت أجمح بالخيال مع نفسي لأتخيل خيالات كثيرة؛ رأيت فيها نفسي بطلاً خارقاً كسوبرمان ومن سواه من الخارقين، ثم تطور الأمر لأبتكر شخصية أطلقت عليها اسم (برق)، يقاتل الأعداء ويتحكم بالبروق يصعق بها أعداءه. هكذا نشأتُ على أمرين: حب القلم وحب الخيال، ويندر على طفل ينشأ على هذين الأمرين إلاَّ ويغدو كاتباً بعد حين. قصتي الأولى كتبتها في حصة التعبير في الصف السادس الابتدائي، وقد أشاد بي الأستاذ حينها لدرجة أنه طلب مني الوقوف لقراءة القصة أمام جمهرة الطلاب، وكان هذا من أصعب الموقف التي مرَّت بي، إذ إنني أكره الظهور وأكره الوقوف أمام الجمهور، قرأت القصة بصوت مهزوز مرتجف، لم يفهم أحد فحوى ما كنت أقرأ، مما خلق فيني تأثيراً سلبيًّا، زاد من انطوائيتي، واستمرَّت عندي حتى وأنا كبير. منذ طفولتي وأنا أقرأ، ليس القصص فقط، ولكن حتى الكتب الدينية والعلمية والتعليمية، إلى درجة أن قرأت كتاباً عن قراءة الكف وأنا صغير، فصارت ثقافتي متنوعة، لكنها في ذات الوقت محدودة مع حدود توفر الكتب في المنطقة، ومع القراءات المتنوعة عشقت أدب الخيال العلمي، خاصة مع حبي للعلوم وامتلاكي موهبة تصليح الأجهزة المتعطلة؛ أصلِّح أغلب ما يتعطل في منزلنا، هكذا حينما قررتُ ذات يوم أن أكتب كتبت قصة خيالية علمية. ربما وصلت بقصتي إلى الصفحة العشرين، فأعدت قراءة ما كتبت ولم أقتنع به.. صعدت فوق سطح المنزل وبدأت أطعم شاةً لنا هناك الأوراقَ، وأذكر أنتي خاطبتها قائلاً: «هنيئاً لك وجبة دسمة من أدب لم يقرأه أحد غيرك».. هذه الشاة هي أول قارئة لكتاباتي. وصل أخي الأكبر إلى المرحلة الثانوية العامة، هنا حدثت قصة طويلة لا يتسع ذكرها ها هنا، لكنها انتهت أن حصلتُ من أخي على دفاتر فارغة كثيرة، لم أعرف ماذا أفعل بها.. وبتلقائية تامة، دون تخطيط ولا ترتيب ولا تجهيز مسبق، وضعت قلمي على أحد الدفاتر وكتبت عنوان: «اللقاء الأول».. وكان ذلك بالفعل هو لقائي الأول الحقيقي مع الكتابة في عام 1994م، ومن بين ما كتبت هناك قصة بعنوان «الركن الملعون»، وحينما قررت النشر فيما بعد، عام 2012، كانت هي ذاتها فكرة (الركن الملعون) هذه، لكن بصيغة أكثر نضوجاً، هي روايتي المنشورة الأولى في الدار العربية للعلوم: «من دون مرآة». السؤال الذي سُئلته في معرض الكتاب في مسقط قبل سنتين: لماذا لم أنشر طيلة السنوات السابقة، وانتظرت حتى عام 2012م؟ لأنني لم أكن أكتب إلاَّ لنفسي، ولم أتخيل نفسي كاتباً، هذا بالإضافة إلى عدم تقبلي لفكرة الشهرة والظهور، أنا الانطوائي المنعزل.. لكن حصل أن كنتُ أقرأ أعمالي التي كنت أكتبها لنفسي، وأُعجبت بها، فكانت نفسي تحادثني أنه كم سيكون رائعاً لو انتشرت مثل هذه الأعمال في المكتبات، خاصة وأنني أقرأ بالفعل منشورات هي أدنى مستوى مما أكتب. بدأت أنشر، ومع تكرار النشر لأعمالي واضطراري للظهور أمام الجمهور؛ سواء كحوارات صحفية، أو تلفزيونية، أو وقوفي على منصة للتحدث، كان من الطبيعي أن تتقلَّص شخصية محمد قرط الجزمي الانطوائية إلى حدٍّ ما، لتظهر بدلاً منها شخصية الكاتب الذي لا يرتجف خوفاً ولا يتلعثم حال ظهوره أمام الجمهور. الكلمة التي يمكنني أن أقولها في نهاية هذه السيرة: عش طفولتك كما تتوافق مع شخصيتك الطفولية، عش صباك كما تتوافق مع شخصيتك الصبيَّة، وعش شبابك كما تتوافق مع شخصيتك الشبابية، لا تدَّعي ما ليس فيك، ولا تمثِّل أمام الآخر بشخصية لا تشبهك، واظهر كما أنت، اللحظة (لحظة الطفولة والصِّبىٰ والشباب) عشها كما هي، بحلوها ومرِّها، المستقبل سيتشكل من تلقاء نفسه ليتواءم مع خِلقتك، وكما قال سيد المرسلين ﷺ: [كلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلق له].