تم إنشاء هذا الموقع باستخدام منصة ويلت ﻹنشاء المواقع، قم بإنشاء موقع الويب الخاص بك مجانًا اليوم!
ابدأ الآنعشقت القصص والحكايات قبل أن أتعلم القراءة والكتابة. حكايات جدتي الحنون أسرتني في الثالثة من عمري. لا أنام قبل أن تحكي لي قصة. بعدأ ن كبرت وتعلمت وقرأت وكتبت القصص والروايات لم أجد مثيلا لقصص جدتي رحمها الله. أفكر كثيرا ، هل كانت تنسج القصص من وحي خيالها؟ أم كانت تردد ما سمعته من والدتها أو جدتها ؟ لم أشغل ذهني بتلك الأمور في طفولتي السعيدة بين أحضانها. ولطالما استيقظت من نومي صباحا لأتوجه إليها مباشرة أسألها عن نهاية القصة لأني استغرقت في النوم قبل أن أعرف ما أصاب الفتاة أو قطتها أو الرجل الحطاب وغيرهم ، ولكن جدتي الطيبة كانت تكتفي باحتضاني وتقبيلي وتهمس لي مبتسمة ( في الليل يا جميلة، لما تنامين في فراشك أكمل لك القصة) . وتمر الليالي تتلوها الأيام وقصص جدتي معين لا ينضب. ويفتح لي عالم أبجديات اللغة وحروفها بوابة القصص والحكايا. قصص مصورة ، ثم قصص مجلات الأطفال يتبعها قصص المكتبة الخضراء فالروايات المترجمة ثم القراءة باللغة الأجنبية لثقافات عالم ممتد الأطراف. نهم للتعرف على الحقيقة والخيال يزيده تكثيف القراءة ولعاً ورغبة في الاستزادة. لم أصدق بوجود قوة تستطيع زحزحتي عن القراءة ، قيد أنملة، في يوم من الأيام إلا حين بدأت أصابعي تخط بالقلم كتابات متفرقة فوق الصفحات البيضاء لتملأ مجلدين كاملين بأحداث ومغامرات ، شخصيات ووقائع....أبهرتني كلماتي التي سطّرتها في سن مبكرة ولم أجهد نفسي في تصنيفها، خواطر؟ شعر؟ أم مذكرات ؟ لم يهمني ذلك بقدر اهتمامي باستمرارية هذا التدفق الوجداني. مهارة دقيقة توصلت إليها بالكتابة يصعب وصفها ولكن يمكن تشبيهها بالفرق بين المتحدث المنطلق في الملتقيات والمناسبات الهامة وبين.... الأبكم. هكذا كنت أرى حروفي وكلماتي على الورق، أصواتا وألوانا وأنغاما. كنت أقرؤها فأبتهج لتمكني من ترجمة مشاعري وأفكاري لنفسي قبل الآخرين. أقرؤها فأسعد لأنها ستتكلم عندما أصمت أنا. لأنها صوتي الذي يصل لمن يتصفحها وقتما يشاء حتى بعد رحيلي. في سن السادسة عشرة كتبت رواية محكمة العناصر من محض الخيال وكنت وقتها طالبة في الثانوية العامة في مملكة البحرين الشقيقة حيث كان والدي يعمل دبلوماسيا في سفارة الكويت هناك. شجعتني مدرسة اللغة العربية التي دهشت لأسلوبي وتمكّني من قواعد اللغة العربية وطلبت مني صرف النظر عما كنت عازمة عليه من الالتحاق بكلية الطب وتحويل دراستي إلى كلية الإعلام. وفي السابعة عشرة كتبت رواية أخرى استلهمت قصتها من صديقة تعرفت عليها لمدة عام كامل بعد التحاقي بكلية الطب في جامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية الشقيقة. لم أفكر في نشر أي من الروايتين ومازلت أحتفظ بهما وأعتز بالمستوى اللغوي والحبكة الفنية لهما. بعد ذلك لم أستطع الاستمرار في مجال الطب وتحولت عنه إلى الإعلام ليكون القلم هو مبضعي الذي أستأصل به الآفات ويكون الميكروفون هو صوتي الذي يعبر القارات والصورة هي نبض الواقع الذي أريه للمشاهد دون رتوش. العمل الأدبي الأول الذي أصدرته في الكويت، وطني الغالي في عام 2003 هو مجموعة قصصية بعنوان ( يرجى عمل اللازم ) وأعتبره الولادة الحقيقية للكاتبة جميلة سيد علي. وهنا تبلورت فرحتي الأولى وغمرتني مشاعر تحتوي الفرح في أحضانها، مشاعر قوامها الإحساس العميق بالمسؤولية وبأمانة الكلمة. مشاعر يغلفها الحرص على الاستمرار في هذا النهج الذي اخترته لأسير فيه قدما إلى الأمام دون تقاعس أو توقف. ويأتي حضور والدتي لحفل توقيع كتابي الأول تاج فخر واعتزاز يزين هامتي ويجعل لكلماتي ترنيمات جميلة تهز أوتار قلبي بأنغامها الحانية وعطرها الفواح ، عطر أمي. توجهت للدراسات العليا في الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهناك وفي جامعة شمال تكساس ( UNT ) استمر تدفق مداد قلمي. حصلت على إجازتي العلمية في الماجستير وفي نفس الوقت أتممت كتابة مجموعتي القصصية الثانية ( الأصفار تشكل رقما ) . وبفضل من الله تتالت نجاحاتي أكاديميا وأدبيا. حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في القصة للعام 2007 وهو نجاح لازلت أستشعر حلاوة طعمه في روحي . أن أنال ثقة النقاد ولجنة التحكيم الأكارم على مستوى دولة الكويت العريقة بمجدها الثقافي الأصيل ، فهذا شرف كبير لقلمي ودافع أكبر لمواصلة الإنجاز. قررت الولوج إلى ميدان الكتابة الروائية بتشجيع من الكاتب الكويتي القدير رحمه الله ( اسماعيل فهد اسماعيل ) . روايتي ( ساري ) التي صدرت في عام 2018 كانت بحق ( صناعة ثقيلة ) كما وصفها الأستاذ اسماعيل. حوالي 500 صفحة ملأى بالأحداث والمواقف الإنسانية الممتدة في الزمان والمكان. فانتازيا غرائبية، صنّفها البعض على أنها من فنون الواقعية السحرية وهذا كله طبعا من حيث الأسلوب السردي. أما المحتوى الفكري فهو الصراع الأزلي بين الخير والشر بين أنواع البشر وفي داخل الشخص نفسه. شعرت بنضوج مفرداتي وسلاسة تنقل قلمي على الورق وتزايد قدراته على توظيف الرمزية ضمن شخوص حقيقية لتوصيل الفكرة إلى القارئ. عدت إلى كتابة القصة القصيرة مرة أخرى في عام 2019 بإصدار مجموعتي القصصية ( دوائر لا تدور) . توظيف الخيال العلمي في القصص جاء تلقائيا ومتماشيا مع الأفكار المطروحة في المجموعة. مستقبل الإنسان على كوكب الأرض ودور التكنولوجيا في إعمار الأرض أو فنائها. أخطار الأمراض الفتاكة المجهولة التي قد تتشلبه أعراضها مع بقية الأمراض فيختلط الأمر على الباحث والعالم. تركيز كبير على أن العلماء الذين نشؤوا على هذه الأرض الطيبة لا يقلون ذكاء وعلما عن نظرائهم في دول العالم . من هؤلاء العلماء من اختار خدمة البشرية بدافع إنساني ووطني. أدعو الله تعالى أن يستمر تدفق الأفكار وأن أواصل بلورتها في الكتابة إلى صور ومشاهد تهز الوجدان وتدعو القارئ إلى تبني ما يليق به. جـميـلـة سـيد عـلـي كاتبة قصة وروائية كويتية